Notice: Function _load_textdomain_just_in_time was called incorrectly. Translation loading for the vertically-scroll-rss-feed domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. Please see Debugging in WordPress for more information. (This message was added in version 6.7.0.) in /home/alraed45/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114
البحث العلمي عند العرب (مشكلات تستدعي التفكير) / 1- الأخدود النظري – مؤسسة الرائد

البحث العلمي عند العرب (مشكلات تستدعي التفكير) / 1- الأخدود النظري

البحث العلمي عند العرب (مشكلات تستدعي التفكير)

1- الأخدود النظري


بقلم الأستاذة: فاطمة الزهرة رابط

 

خلق الله سبحانه وتعالى الانسان وميزه بالعقل، ثم صيّره إلى الأرض ليعمّرها بعبادته ويخلفه فيها، فانطلق هذا المخلوق المميز في الانتشار والتعرف عليها، ومع كل موقف يواجهه كان يحتاج إلى التفكير وإيجاد حلول لمشكلاته في هذه البيئة الجديدة عليه.

وقد تطور الانسان كثيرا في ذلك، لا تطورا خَلقيا ينطلق من فكرة أن أصل الانسان قرد كما يدعي الداروينيون، حيث أننا نكفر بما يعتقدون ولا نؤمن إلا بما علمنا ربنا عز جل في كتابه العزيز، إذ قال سبحانه وتعالى: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ” (المؤمنون، آية: 12 ـ 14). فالتطور الذي نقصده هنا هو تطور الانسان في البحث عن حلول لمشكلاته، وإبداعه في أداءاته، وابتكار أدواته، وغير ذلك مما ييسر له التكيف والعيش على هذه البسيطة بمختلف مناطقها وفصولها.

وكما هو معلوم، فإن التفاعل بين بني البشر كان يستدعي إيجاد لغة للتواصل، فكانت الرموز والألسن واللغات. وعبرها صارت تنتقل المعارف والمعلومات والخبرات، ويتم تدوينها لتستفيد منها الأجيال المتلاحقة.

عبر الزمن، ومع كل حضارة وأمة كانت عجلة الاكتشاف والتعلم والابتكار تتحرك دون توقف.. بل حتى بعد اندثار الأمم والحضارات كانت الأجيال تتناقل الإرث العلمي وتعمل على الاستفادة منه، عبر التدوين والتعليق والتحليل والصقل. وقد وصل إلينا هذا الإرث ولكننا بتنا نواجه معضلات قد تلخصها أقوال بعض العلماء والمفكرين، من بينهم المفكر مالك بن نبي، فقد قال: “إننا لا نقدّر علما حقّ قدره ما دمنا لا نعلمه إلا في صورته النظرية”. وقد قال في ذات السياق أيضا: “العلم الذي لا يترجمه عمل يظل ترفاً لا مكان له”.

وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: ما الفائدة من العلم أوالتخصص العلمي إن كان لا يترجم إلى سياق عملي؟

إننا إذ نطرح هذا السؤال نسعى لاستفزاز العقول وتحفيزها على التدبر قليلا. ومما يجب التدبر فيه أن العلوم والتخصصات العلمية في المؤسسات الجامعية والتكوينية تعد بالمئات، بعضها لا نتخيل وجوده أصلا وقد نستغربه، فلا اسمه مفهوم، ولا دوره في المجتمع معروف! ولكم أن تبحثوا قليلا في قائمة العلوم والتخصصات.

وبما أن العلوم تتطور باستدامة البحث فيها، فإن البحث العلمي يعتبر هو المدخل الحقيقي والصحيح لتنمية المجتمع إذ لا يستقيم أن تتحدث عن التنمية بعيدا عن التأسيس لدور البحث العلمي كقاعدة مهمة تنطلق منها كل مشاريع التنمية وبكافة قطاعاتها المختلفة لتعطي نتاجا طبيعيا وضروريا ألا وهو تحقيق الرفاه الاجتماعي،وعليه يكون دور العلم على جميع مستوياته هو العامل الفاعل لتحقيق هذا الغرض ،كما يهدف إلى تنمية المعارف وإثرائها لاكتشاف معلومات جديدة وحل مشكلات قائمة، فقد صنف البحث العلمي حسب اليونسكو إلى بحث أساسي وبحث تطبيقي، لإجراء البحوث العلمية التي تساعد في تطوير المعارف الإنسانية وحل المشكلات التي تواجه المجتمع و تعميق التخصص الدقيق للباحثين بتطوير بعض التقنيات القائمة،أو إنتاج موارد جديدة، بهذه الوسيلة فإن الجامعة تزيد من ارتباطها بحركة المجتمع و تعطي الحلول المناسبة لكثير من المشاكل التي تواجهها مؤسساته المختلفة

في هذه الأسطر لا نريد بخس الناس جهودهم ولا أن نهضم حق بعض العلوم والتخصصات، ولكننا نهدف إلى دعوة القارئ إلى إعادة إعمال ذهنه وتفكيره في التخصص الذي درسه ويبحث فيه، وليعيد تصحيح بوصلته وأن يستفيد كطالب علم أو كعالم بثواب علمه، قال عليه الصلاة والسلام: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا، ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر).أخرجه الترمذي وأبو داود عن أبي الدرداء مرفوعا.

في القرون السابقة كانت الجامعات العربية محجّا للغرب ليجلسوا بين أيدي العلماء العرب وينهلوا من معارفهم، وكانت المخطوطات العربية كنزا يتباهى به المتعلم الغربي إذا وقع بين يديه. فقد أوصلوا تلك العلوم بكل أمانة لمجتمعاتهم واستفادوا منها بشكل نقلهم النقلة التي نراها اليوم، ونرى معها أيضا تكالبهم الصارخ والجليّ على العرب. في المقابل وفي زماننا هذا، وحين نتفحص رفوف المكتبات ومواقع النشر العلمي وكلنا فخر بما بات العرب ينجزونه من دراسات وأبحاث قد تعيد للأمة مجدها نصاب بالإحباط الشديد. فقد باتت المكتبات والمنصات والمواقع تعج بالروايات الأدبية والبوليسية، وبكتب التنمية البشرية، والخواطر التائهة في دروب العشق والصدمات. ميزانيات ضخمة ترصد لمثل هاته الإصدارات، وترويج، واحتفال وتتويج. كل هذا والباحث العلمي يقبع في الزاوية يهز برأسه من خيبة أمله عقب اكتشافه أن ما يريد نشره سيكلفه الكثير وأنه ليس مطلوبا في (السوق)!

حتى الباحثون يتمايزون.. يتمايزون في الوعي،و في الكتابة والنشر؛ فبعضهم -ورغم درجته العلمية المرموقة- لا يعدو أن يكون كاتب قصة هاوٍ، و راويًا لأساطير تشمئز منها نفوس الأسوياء.. فما تصنع أمتك المكلومة بحديثك عن أسطورة رجل له جناحين و رأس حصان و قدمي إنسان؟ وماذا أفدت مجتمعك بتمجيدك لفيلسوف أو مفكر تدرك جيدا أن قيمه تتعارض وقيم أمتك ومجتمعك؟ وكيف يمكن أن تشرح لجدّتك التي تتباهى بك – كونك متعلما، خاصة إذا  كنت دكتورا جامعيا- كيف ستشرح لها أنك لا تدرك ماهية مرضها وعلاجها، إنما أنت دكتور متخصص فقط في الأساطير والروايات؟!.. يا لها من خيبة أمل لها.. (وهذا ليس تمجيدا للعلوم الطبية دون غيرها، ولكنه من باب سَوق الأمثلة)

الكيّس الفطِن سيتلقى هذه الكلمات بصدر رحب ويعمد إلى تصويب بوصلته وتكييف علمه مع احتياجات واقعه وأمته، ولن يعتبرها تقليلا واحتقارا لشخصه المبجّل أو لتخصصه المقدّس (المقدس عنده).

الباحث الكيّس الفطن سيسدّد ويقارب، ويطوّر من نفسه ومداركه، ويكيّف تخصصه مع واقعه، ويصحّح نيته في طلب العلم وزكاته، ويعلّم غيره علما نافعا، لا علما مهلهلا أجوفا لن يسمن الأمة ولن يغنيها من جوع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *