إرشادات نفسية وتربوية (العنــــاق)

إرشادات نفسية وتربوية (العنــــاق)

عام 2015، كنت قد تطوعت بالاتفاق مع جمعية خيرية لتقديم جلسات نفسية لفائدة النساء الأمهات كل سبت،جلسة في نفس المكان ولنفس الأمهات تقريبا..
كنت خلالها أستقبل استشاراتهن خلال الجلسة على شكل قصاصات دون ذكر اسم الحالة، ثم أناقشها معهن، أعمل على تصحيح المفاهيم والأفكار والاتفاق على خطوات عملية لتخفيف حدة المشكلات المطروحة أو التغلب التام عليها. ولكني كنت ألاحظ أن كل الموجودات في القاعة يحكين بعاطفة متفجرة لا بعقلانية، كما أنني كنت أرى تلألأ الدمع في عيونهن خلال حديثي معهن.. بدأت أشعر أن مشكلتهن مع أطفالهن سواء الصغار منهم أو المراهقين، ومع أزواجهن أيضا ومع ضغوط الحياة ما هي إلا عجز أو عطش عاطفي يبحثن له عن حل.. لاحظت أنهن يهرعن إلى الجلسة قبل وصولي إليها، وفي كل مرة أشعر أنها طوق نجاة لهن! نفس الأشخاص ونفس الوجوه حتى بعد علاج مشكلاتهن التي طرحنها من قبل !
بدأت ألمس كم العطش العاطفي الذي يعانينه، وأن هاته الجلسة أصبحت جزءا منهن.. ففي مرة من المرات أمٌّ طرحت مشكلتها مع ابنها المراهق وكمّ التعب الذي تمر به بسبب تصرفاته وانفجرت باكية فبكين كلهن . وكانت القاعة فيها عشرات الأمهات.. فورا طلبت من التي تجلس بقربها أن تعانقها. عانقتها فبكتا في حضن بعض كون كل منهما أمّ وتحس بما تعانيه الأخرى.. فطلبت من الجميع.. من كل أم أن تعانق الأم التي بجانبها !
لقد اهتزت القاعة حينها بصوت بكاء وتمتمات، ثم بضحك ممزوج بالفرح، لقد تعانقن بكل أخوة ومحبة وكان المشهد مؤثرا جدا، وكأن الواحدة منهن قد عثرت وأخيرا على نفسها !
بعد تلك اللحظات بدأت أسمع تنهيداتهن.. تنهيدة تنفسِ الصعداء! و بدأن يعبرن عن مدى الراحة التي يشعرن بها الآن و عن امتنانهن لهاته الخطوة وعلى تشجيعي لهن على فكرة العناق!
بعد عودة الهدوء للقاعة شرحت لهن ما حدث.. وهو ما سأتحدث عنه الآن لتعميم الاستفادة..
الذي حدث هو افراز هرمون الأوكسيتوسين (L’ocytocine) المعروف ب “هرمون الحب والعناق” خلال العناق. هذا الهرمون مهم جدا لاستقرار الانسان وراحته والقضاء على توتره و تحسين مزاجه. كما أن العلماء وجدوا أنه يساهم في تخفيف الألم، لا أتحدث عن الألم النفسي فقط، بل حتى الألم الجسدي جراء إصابة ما مثلا..

و دون الخوض في تفاصيل علمية دقيقة حول هذا الهرمون قدمت حينها بعض النصائح لهن، وأكررها الآن لمن يجيد اقتناص الفوائد:
• عانق أهلك يوميا عناقا وديا رحيما (يستغرق أكثر من 20 ثانية على الأقل) لا عناق تكلف أو تحية ، مهما كانت الظروف والمشاكل. عانق أهلك: الزوج(ة)، الأبناء بمختلف الأعمار (ابنك أو ابنتك المراهق (ة) أحوج ما يكون لعناقك، لا تقل كبروا وأخجل من عناقهم!). العناق خافض رائع للتوتر والضغط النفسي وتحسين المزاج.

• لا تناقش مع فرد من عائلتك موضوعا تعلم أنه قد يقابَل بالرفض أو الصدمة من مكان بعيد، بل تعمد التلامس الجسدي، وخاصة حركة وضع اليد على كتف الشخض والتمسيح على ظهره فهذا يساعد على افراز الاكسيتوسين و بعث الراحة والثقة في نفس الشخص. خاصة في حالة الرغبة بإخبار فرد ما بخبر مزعجٍ تعلم أنه سيصدمه، كخبر وفاة عزيز عليه، لا تخبره وتلقي الخبر كأنه خبر عادي وعليه هو أن يتحمل وحده مغبة الصدمة. بل احرص على التلامس والمسح على كتفيه أو عناقه لتخفيف قوة الصدمة فورا.
• إذا كان الفرد البالغ الراشد في حاجة دائمة للحب والعناق (نموذج الأمهات أعلاه) فما بالكم بالأطفال؟ أكثروا من عناق أطفالكم وجودوا عليهم بالتقبيل والعناق،واحرصوا عليه أكثر من حرصكم على ملبسهم ومظهرهم أمام الغير.
• احرصوا على تناول ما يبث الهدوء في النفوس، أو بلغة العلم ما يزيد من افراز هرمون الاكسيتوسين كمثل الموز والشوكولاطة الداكنة وسمك السلمون والقهوة و عصير البرتقال و غيرها مما يستطاع إليه سبيلا.
• انشروا السعادة من حولكم واجبروا الخواطر، فإن لم تستطيعوا فلا تكونوا سببا لتحطيم غيركم.

 

                                                                                                 الأخصائية النفسية: ذ. فاطمة الزهرة رابط
                                                                                                      رئيسة مؤسسة الرائـد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *